للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما قوله تعالى في نفس السياق: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}، فمن المفسرين من حمله على أنه حوار حقيقي صحبته الحياة والإدراك والنطق الفعلي من الأرض والسماء، على غرار قوله تعالى في نفس السورة (٢١): {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}، ومنهم من حمله على أنه مجرد مجاز، من باب ضرب المثل، أي لا يتعسر عليه سبحانه شيء مما خلقه، فله من خلقه ما أراده، والمقصود إنما هو تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير، دون أن يكون هناك خطاب ولا جواب.

وقوله تعالى: {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} بعد قوله: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}، إشارة إلى سعة رحمة الله، وبسط مائدة رزقه لكافة خلقه، دون تمييز بين طبقة وأخرى، ولا بين أمة وأخرى، فالبساط الإلهي ممدود لجميع السائلين على السواء، على حد قوله تعالى في آية أخرى (٣٤: ١٤): {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}. وقوله تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}، إشارة إلى أن أقوات الخلق مقدرة في الأرض بتقدير إلهي حكيم. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى في سورة الحجر (٢١): {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}.

وقوله هنا: {وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}، ينظر إلى قوله تعالى في آية الكرسي: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، فكما أن الله تعالى هو

<<  <  ج: ص:  >  >>