ونسي ربه، واستغل عطاء الله الواسع في المزيد من المعاصي والسيئات، لا في المزيد من الحسنات والطاعات، والله تعالى حين يقدر رزق الإنسان ولا يبسطه له إلى أقصى الحدود إنما يتصرف في ملكه عن خبرة تامة بهذا الإنسان الذي خلقه من العدم، وعن علم محيط بخلجات نفسه، وهواجس حسه، ولأجل أن لا ينقلب الإنسان طاغيا باغيا مطلق العنان في هذا الكون بالمرة جعل الحق سبحانه وتعالى مقاليد رزق الإنسان بيده، واضطر الإنسان لأن يبقى معلقا بين الخوف والرجاء دائما، ذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}.
وعلى ضوء هذه الآية الكريمة لا يستغرب أحد أن يسمع صيحات الخطر والإنذار، التي تطلقها المنظمات الدولية المختلفة، بقرب مجاعة عالمية قد تكتسح العالم، وتكون كارثة كبرى على البشرية، فالشعور بهذا الخطر قائم لا محالة بشكل أو آخر، ومن مقتضيات الحكمة الإلهية أن يكون شبح هذا الخطر ماثلا للأنظار، حتى يتذكر الإنسان - تحت تأثيره - رسالته الحقيقية في هذا الكون، ويعود إلى حظيرة الاعتدال والتوازن في مطالبه وشهواته قدر الإمكان، وكما قال تعالى في هذه الآية:{وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}، قال في آية سابقة عند الكلام على خلق الأرض:{وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}، ثم عقب على ذلك فقال:{ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(١٢: ٤١).
وبعد تقرير القرآن الكريم لهذه الحقيقة الكونية أتبعها