الشورى وعقيدة التوحيد برزتا في الإسلام في وقت واحد، وهما من خصائص المجتمع الإسلامي ومميزات الدولة الإسلامية منذ نشأتها الأولى. قال القاضي أبو بكر (ابن العربي) المعافري عند تفسيره لهذه الآية: (الشورى ألفة للجماعة، ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هدوا. ونقل عن بعض العقلاء أنه قال: ما أخطأت قط: إذا حزبني أمر شاورت قومي، ففعلت الذي يرون، فإن أصبت فهم المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون).
وفي ختام هذا الربع تناولت الآيات الكريمة موضوعا قوي الحساسية بالنسبة للنسل والذرية، وذلك قوله تعالى:{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}، وبديهي أن موضوع (الذرية) له علاقة وثيقة بموضوع (الرزق) الذي أشارت إليه أول آية في هذا الربع: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ}، فكما أن الله ينزل بقدر ما يشاء من الرزق، كذلك يهب من يشاء من الذرية أو لا يهب. قال ابن كثير في تفسيره تعليقا على مضمون هذه الآية:(فجعل الناس أربعة أقسام، منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا، ومنهم من يمنعهم هذا وهذا، فبجعله عقيما لا نسل له ولا ولد، {إِنَّهُ عَلِيمٌ} أي بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، {قَدِيرٌ}، أي على ما يشاء من تفاوت الناس في ذلك)، ثم مضى ابن كثير يقول: (وهذا المقام شبيه بمقام آخر،