والمعتقدات الباطلة، لمجرد أن آباءكم اتبعوها وآمنوا بها، ولو كان الذي جئتكم به هو أفضل وأرشد، وأحق وأصدق، مما وجدتم عليه آباءكم؟ أليس من الحكمة والتبصر في العواقب أن تتأملوا فيما أعرضه عليكم، وأن تقارنوا بينه وبين ما وجدتم عليه آباءكم، لتهتدوا بعد الضلال، وتؤمنوا بعد الكفر.
ثم تشير الآيات الكريمة مرة أخرى إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع أبيه وقومه، وما كان له من صراع عنيف معهم، من أجل إحقاق التوحيد الحق، وإبطال الشرك الباطل، وفي ذلك رد صريح على ما يدعيه مشركو العرب لأنفسهم، من كونهم على ملة أبيهم إبراهيم، إذ ملته الحقيقية هي ملة التوحيد لا ملة الشرك، وعقيدة التوحيد هي التي أوصى بها إبراهيم بنيه، وهي التي حملها من أبنائه وعقبه: موسى، وعيسى، ومحمد خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وذلك قوله تعالى في هذا السياق:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
ويتحدث كتاب الله عن عهد (الفترة) التي مرت بجزيرة العرب، دون أن يبعث فيها نبي أو رسول، وأن الله لم يؤاخذ المشركين خلال تلك الفترة بما ارتكبوه من ذنوب، وبما اعتقدوه من ضلالات، بل إنه- تفضلا منه وكرما- قد أمهلهم، و (متعهم وآباءهم)، في انتظار حلول الوقت الذي تقتضي الحكمة الإلهية أن تبرز فيه الرسالة المحمدية، وها هي تلك الرسالة قد حان