موعدها لإخراج المشركين من الظلمات إلى النور، وذلك قوله تعالى:{بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ}.
غير أن مشركي العرب، إمعانا منهم في الشقاق والعناد، وأسوة بمن سبقهم من خصوم الرسالات المكذبين بالرسل، بدلا من أن يقبلوا على اعتناق الحق، ويعتزلوا الباطل، وبدلا من أن ينتقلوا إلى دين التوحيد الخالص، وينبذوا معتقدات الشرك، أخذوا يواجهون خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام بمثل ما واجه به فرعون وقومه موسى الكليم، وكما وصف فرعون موسى بأنه (ساحر) وادعى أن دعوته إنما هي مجرد (سحر) ها هم مشركو قريش يرددون نفس الاتهام، ويكررون نفس النغمة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عنهم:{وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ}، على غرار ما حكاه كتاب الله عن فرعون وقومه في نفس هذا الربع وهم يخاطبون موسى عليه السلام، {وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ}(٤٩).
ثم يبرز كتاب الله ما انطوى عليه تكذيب مشركي قريش للرسول عليه السلام من اعتبارات وأسباب سياسية ومادية، فهم بالرغم عن كونهم لا ينكرون شرف محتد الرسول، وكونه (خيارا من خيار)، نسبا وحسبا، إلا أنهم يرون أنه لا يتمتع بزعامة قبلية، ولا برياسة زمنية، وإذن فليس هناك ما يؤهله في نظرهم لحمل الرسالة، وهم يرون أنه إذا كان ولا بد من إرسال رسول إليهم، فالأولى أن يكون هذا الرسول أعظم رجل في مكة أو في الطائف