للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذا السياق، رفع كتاب الله الستار عن حقيقة اجتماعية واقعية لها تأثير في نظام المجتمع البشري، وما يلزم أن يكون عليه من تعايش وتعاون وتكامل، فقال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، أي: قسمنا لكل إنسان حظه في العيش، من المطعم والمشرب والمسكن وما يتوقف عليه من المنافع، وأذنا له في تناوله، على أن يسلك في تناوله الطرق المشروعة، حتى تكون قسمته حلالا طيبا، ثم قال تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}، أي: أن الله تعالى فاوت بين خلقه، فيما وهبهم من العقول والفهوم والقوى الظاهرة والباطنة، والاستعدادات المختلفة، والميول المتعددة، فسلك بعضهم طريقا، وسلك بعضهم طريقا آخر، إذ لم يكونوا في درجة واحدة من تلك الهبات، وبذلك تنوعت أعمالهم ومكاسبهم، واحتاج بعضهم إلى ما عند البعض الآخر، وأصبح كل فريق منهم متوقفا على خبرة الآخر ومعونته، مسخرا لخدمته، وذلك لخير المجتمع كله، وخدمة الصالح العام، وهذه هي الحكمة الإلهية من وراء التفاوت الذي جعله الله بين خلقه {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}، كما قال تعالى، وليس المراد أن فريقا يعتبر (أعلى) وفريقا يعتبر (أدنى)، فلا طبقية في الإسلام، وكلمة (سخريا) الواردة في هذه الآية من (التسخير) بالمعنى الوارد في قوله تعالى: {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (٢٠: ٣١)، لا من (السخرية) بمعنى الاستهزاء، الوارد في قوله تعالى: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} (٣٨: ١١)، قال الإمام القشيري: (لو كانت المقادير متساوية

<<  <  ج: ص:  >  >>