وليريح كتاب الله ضمير الرسول من كل قلق يساوره، بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ولم يستجب له في الحين (الصم) الذين لا يسمعون، و (العمي) الذين لا يهتدون، خاطبه ربه قائلا:{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وكأنه يذكره بخطابه الآخر:{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}(٤٠: ١٣)، وبين كتاب الله أن الحق سبحانه وتعالى قادر على الانتقام من خصوم الرسالة، حتى لو انقطعت عنهم الرسالة، بحلول أجل الرسول، وأن تملصهم من الاستجابة لها لا يغنيهم شيئا، كما أنه سبحانه قادر على أن يطيل حياة رسوله حتى يريه رأي العين ما يصيبهم من هزيمة وخذلان، وإلى ذلك يشير قوله تعالى في نفس السياق:{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}.
وفي هذه الغمرة من غمرات الكفاح ضد الشرك والمشركين يتوجه كتاب الله إلى الرسول عليه السلام مخاطبا إياه، وموصيا له بالثبات على ما جاء به من عند الله، فقال تعالى:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ}، وهذه دعوة إلى المزيد من الثبات والصمود، وعدم التبرم والضجر، والتصلب في الحق والدفاع عنه إلى آخر رمق. ثم قال تعالى:{إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، تأكيدا لما عليه الرسول من ثبات في الفؤاد، ورسوخ في الاعتقاد، فكتاب الله هو المفضي إلى صراط الله المستقيم، والموصل إلى جنات النعيم، والخير الدائم المقيم، وهذا