وبين كتاب الله هوان فرعون وقومه على الله وعلى الناس أجمعين، حتى أنه لم يأبه أحد لنكبتهم، ولم تبك عين على ما أصابهم فجأة من العقاب والعذاب، إذ لم يتركوا وراءهم أي عمل صالح، أو ذكرى طيبة يذكرهم بها أهل الأرض أو أهل السماء:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}، قال قتادة:(كانوا أهون على الله عز وجل من أن تبكي عليهم السماء والأرض)، وقد سئل أحد أئمة التفسير الأولين:(أتبكي الأرض والسماء؟ فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل؟).
وأشارت نفس الآيات الكريمة إلى بعض الأسباب التي أوجبت غضب الله على فرعون وقومه، فهذا عذاب مهين كان يعذب به الذين آمنوا بموسى من بني إسرائيل، ظلما وعدوانا، وهذا إسراف بالغ كان لا يفتر عنه في اللذات والشهوات، وهذا استعلاء وكبرياء كان يتحدى بهما قدرة الله المطلقة، وسطوته البالغة، {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ}، {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}(٤: ٢٨).
وتناولت الآيات في هذا السياق ما يدخره الحق سبحانه وتعالى للمعذبين في الأرض المغلوبين على أمرهم، من النجاة والفوز والنصر، في نهاية الأمر، وهذا تثبيت للمسلمين الأول،