الذين كانوا يتحملون من مشركي مكة أنواع الأذى وصنوف الإساءات، فتحدث كتاب الله ضاربا لهم المثل بنجاة بني إسرائيل من عذاب فرعون، وخروجهم من قبضته، واختيارهم على غيرهم من أهل زمانهم لحمل الأمانة، بقيادة موسى الكليم عليه السلام، إذ إنهم كانوا وقتئذ أفضل معاصريهم وأولاهم بحمل الأمانة، رغما عما يعلمه الحق سبحانه وتعالى فيهم من وجوه النقص المتعددة، التي كان يعالجها بالتهذيب والتشذيب موسى وأخوه هارون ومن جاء بعدهما، وذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ}، وقوله تعالى:{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ}، أي: آتيناهم من الحجج والبراهين وخوارق العادات ما فيه اختيار ظاهر، وامتحان جلي، لمن اهتدى به وكان من المهتدين.
وبعدما تحدث كتاب الله عن إنكار مشركي قريش لعقيدة (البعث) الأساسية في الدين، وعن ادعائهم أنه لا نشر ولا بعث بعد الموت، وعن مطالبتهم للرسول عليه السلام ببعث آبائهم من القبور فورا، وإرجاعهم إلى الحياة الدنيا، حتى يذعنوا ويؤمنوا بالبعث المنتظر يوم القيامة، تساءل كتاب الله هل مشركو قريش خير عند الله من قوم (تبع) الذين أهلكهم وأهلك من قبلهم بشركهم وإجرامهم، وكأنه يقول: إن المصير الذي انتهى إليه قوم تبع، ومن ماثلهم من الأقوام المنحرفة عن الحق، سيكون هو نفس المصير الذي يؤول إليه أمر مشركي قريش، وذلك قوله تعالى مشيرا إليهم: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا