عن طريق هذا الفهم وهذا الإيمان يدرك الإنسان ما لخالق الكون من جلال وجمال بارزين في خلقه، ويدرك السر الذي اقتضى خلق الإنسان، وترشيحه للخلافة عن الله في هذا الكون، فمن لم يعرف الغاية من خلق الكون عموما لم يدرك الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، الذي هو جزء لا يتجزأ من هذا الكون، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}، على غرار قوله تعالى (٢٧: ٣٨): {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}، وقوله تعالى (١١٥: ٢٣): {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}.
ومضى كتاب الله يصف أهوال الجحيم، التي تنتظر أعداء الحق من المشركين والكافرين، كما يصف مسرات دار النعيم، التي تنتظر أهل الحق من المؤمنين المتقين، {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وها هنا ننتهي من (سورة الدخان) المكية لننتقل إلى سورة (الجاثية) المكية أيضا، وإنما أطلق عليها هذا الاسم، أخذا من قوله تعالى فيها:{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً}، وفي مطلعها نجد أنفسنا أمام حديث مستأنف عن القرآن الكريم، والتنويه بمقامه العظيم: {بسم الله الرحمن الرحيم حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ