معه إلى الحق المبين، وبذلك أصبحوا مسؤولين عن أنفسهم، موكولين إلى اختيارهم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في هذا الربع:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}، على غرار قوله تعالى في آية ثانية (٢١: ٥٢)، {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.
وأعاد كتاب الله الحديث عن قصة بني إسرائيل ليضرب بهم المثل للمؤمنين، حتى لا يسلكوا مسلكهم ولا يتعرضوا للعزل عن خلافة الله في الأرض، التي أراد أن يُعدهم لها بخاتم كتبه، على يد خاتم أنبيائه ورسله، فقد مر بنو إسرائيل بفترة اختارهم الله فيها من بين جميع معاصريهم لحمل الرسالة الإلهية التي جاء بها موسى عليه السلام، وفي ذلك الطور آتاهم الله الكتاب والحكم، والنبوءة والعلم، ثم تبع هذا الطور طور آخر من الخلاف والانحراف، والعناد والفساد، والطغيان والعدوان، فبعث الله عيسى بن مريم، إذ (أنعم عليه وجعله مثلا لبني إسرائيل)، وذلك ليبين لهم بعض الذي اختلفوا فيه، ويردهم إلى حظيرة الاستقامة، وطريق السلامة، وبدلا من أن يستجيبوا لدعوته، كانوا حربا عليه وعليها، فنزع الله عن بني إسرائيل أهلية الخلافة وشرف النبوة، واقتضت الحكمة الإلهية تكليف فرع آخر من عقب إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل الذبيح، عليهما السلام، بحمل الرسالة، وأداء الأمانة، وتجديد الدين الحق، بين الخلق، والخلافة عن الله في الأرض، على أساس ملة إبراهيم، وكان ذلك على يد سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وفي هذا السياق