وعن طريقه وجه الخطاب إلى كافة المؤمنين، داعيا له ولهم إلى وجوب التمسك بشرعة الإسلام التي حلت محل الشرائع السابقة، وإلى ضرورة اتباعها وعدم الخروج عنها، والحذر من الوقوع في شبكات الأهواء المفرقة، والاختلافات الممزقة، إذ إن أصحاب الأهواء ودعاة الفرقة الذين يدعون لأهوائهم، ويستدرجون إليها أهل الحق، لا يستطيعون أن يردوا غضب الله، عمن حاد عن شريعة الله، وتعدى حدود الله، وهم أعجز من أن يبقوا على عرش الخلافة عن الله، من خان الأمانة وأشهر الحرب على الله، وذلك معنى قوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}، ويؤكد كتاب الله هذا المعنى لافتا نظر الرسول عليه السلام إلى حال أهل الكتاب، الذين اتبعوا أهواءهم من بعدما جاءهم من العلم، وما هم عليه من تناقض وتخاذل وحيرة وارتباك، وذلك قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.
ومما ينبغي الانتباه إليه في هذا المقام كلمة (الأمر)، التي تكررت في هذا الموضوع، ولأمر ما كان هذا التكرار والربط في نفس السياق، ففي الحديث عن بني إسرائيل سبق قوله تعالى هنا:{وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ}، وفي الخطاب للرسول عليه السلام ورد قوله تعالى هنا:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ}، وكلاهما ينظر إلى قوله تعالى في سورة الأعراف (٥٤):