التضحيات، أثناء الوحم والحمل، وأثناء الوضع والرضاع، وفي جميع مراحل الطفولة من أجل تربية الأولاد وتهذيبهم، وطبعهم بالطابع الاجتماعي السليم، ما لا يتحمله غيرهم من الناس، وكل ذلك بمنتهى التفاني والإخلاص، وذلك قوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}.
وقوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ}، إشارة إلى أن الإحسان إلى الوالدين من مقتضيات " الإنسانية المجردة "، بحيث لا يكون الإنسان إنسانا، ولا يثبت إنسانيته بطريقة عملية، أيا كان دينه أو معتقده، إلا إذا أحسن إلى والديه، برورا بهما، وأداء لحقهما.
وقوله تعالى هنا:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}، إشارة إلى أن الأم عندما يأذن الله لها بأن تحمل، أو يأذن لها بأن تضع الحمل، إنما هي منفذة لأمر الله الموكول إليها تنفيذه، وقائمة بتحقيق مراد الله في عمارة الأرض، واستمرار حياة الإنسان القصيرة على سطحها، لا اختيار لها في حمل ولا في وضع، وإنما هي تحت حكم القدرة الإلهية المسخرة للكون كله، وليس المراد أن الأم تكره الحمل وتكره الوضع، ولا ترغب فيهما، فقد زرع الله في " الأنثى " على العموم محبة النسل والولد، رغما عن جميع التضحيات والمتاعب والمشاق التي تتحملها في هذا السبيل.
وقوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، إشارة إلى