فأنصتوا إليه خاشعين، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، محذرين إياهم من الضلال المبين، وذلك قوله تعالى:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}، {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ}، {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. قال ابن عباس رضي الله عنه:" ّما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، فلما سمعوا القرآن وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر استمعوا له "، وقال الحسن البصري:" أنه صلى الله عليه وسلم ما شعر بأمرهم حتى أنزل الله تعالى عليه خبرهم ".
ويتصل بهذا الموضوع قوله تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}(الجن: ١)، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عرف قول الجن، عن طريق الوحي الذي أنزل عليه، كما رواه البخاري ومسلم.
ثم اتجه الخطاب الإلهي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام آمرا له بالثبات على الحق، والصبر إلى النهاية على تكاليف الدعوة ومتاعبها، ومسؤولياتها وأخطارها، ضاربا له المثل بصبر " أولي العزم " من الرسل، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ليكون خامسهم وخاتمهم، وقد ورد ذكر أسمائهم جميعا في آيتين من سورة الأحزاب وسورة الشورى، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}.
والآن ونحن ننتهي من سورة " الأحقاف " المكية تستقبلنا