واحدة بعد واحدة، عسى أن تؤثر فيهم هذه الآية إن لم تنفع فيهم الأخرى، {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً}، أي: فهل نصرتهم معبوداتهم عند احتياجهم إليها في وقت الشدة، {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.
والإشارة في قوله تعالى هنا:{مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى}، إلى أقوام من العرب أيضا يشاركون مشركي قريش في نفس الجنس والسلالة، وهم " عاد " بالأحقاف، و " سبأ " باليمن وكلاهما في جنوب الجزيرة العربية، وثمود ومدين في شمالها بين الحجاز والشام، ولوط التي يمر ببحيرتها تجار قريش في رحلتهم إلى الشام، والمعنى المقصود من هذه الإشارة هو أن عاقبة الجحود والعناد واحدة بالنسبة للجميع، بالنسبة لغير العرب ولنفس العرب، وإذا كانت الآيات القرآنية تحدثت في مكان آخر من كتاب الله عن مصير فرعون وقومه في مصر البعيدة عن جزيرة العرب، فها هي تتحدث الآن عن مصارع أقوام من نفس العرب، قريبة من المشركين، بحيث يرون آثارها، ويشاهدون أطلالها، ويرون أخبارها، عسى أن تكون الموعظة بمن هم من جنسهم، وحول ديارهم، أوقع في النفس، وأعمق في التأثير.
وكما سجل كتاب الله في سورة أخرى أن جميع المخلوقات تدين الله بالتسبيح والتنزيه، إلا أن البشر لايفهمون تسبيحها، إذ قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}(الإسراء: ٤٤)، تحدثت الآيات الكريمة في هذا الربع عن نفر من الجن هداهم الله للاستماع إلى القرآن،