وتصدى كتاب الله مرة أخرى لوصف المنافقين فهم العنصر الجديد والعنيد، الذي أصبح يقوم في المدينة بالدور الذي يقوم به المشركون في مكة، وها هنا يصف الحق سبحانه وتعالى وقع القرآن في نفوس المنافقين عندما تنزل أوامره بذكر الجهاد في سبيل الله، فبحكم أنهم ينتمون إلى الإسلام في الظاهر يجب عليهم أن يتقدموا للفداء في سبيله، وبحكم أنهم أعداء للإسلام في الباطن لا يرون مبررا للتضحية بأرواحهم في سبيله، ولا مصلحة لهم في ترجيح كفته على كفة الشرك، الذي هو في الحقيقة سندهم الأصيل، ومنطلق حبهم الأول، وذلك ما يسجله عليهم قوله تعالى:{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}، وقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
وعاد كتاب الله إلى الحديث عن المنافقين تلويحا وتعريضا، داعيا إياهم إلى التبصّر في العواقب وحسن الاختيار، إذ إن نجاتهم من عذاب الله متوقّفة على طاعة الله ورسوله، وعلى تطهير القلب من الوسواس، وصيانة اللسان من منكر القول والزور، وذلك قوله تعالى:{فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}.
ويمضي كتاب الله في هذا السياق إلى نهايته، موجها خطابه للمنافقين، متسائلا عن احتمال عودتهم إلى الشرك مرة ثانية،