وقوله تعالى:{وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} إشارة إلى نفس وقعة الحديبية وصلحها الشهير، فقد كان هذا الصلح مفاجأة كبرى لبعض المسلمين أول الأمر، حتى خيل إليهم أن فيه شيئا من التراجع إلى الوراء، لكن الله الذي يسدد خطوات نبيه بالوحي من عنده، هو الذي كان يعلم ما لهذا الصلح من عواقب محمودة الأثر، سريعة الظهور، وها هو الحق سبحانه وتعالى يثبت للمؤمنين أن هذا الصلح نفسه سيكون آية لهم، ومعجزة جديدة للإسلام، وكذلك كان الأمر، فصدق الله وعده، ونصر جنده.
وقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}، إشارة إلى ما أقدم عليه فريق من مشركي مكة: حيث تسللوا وهم مسلحون إلى المكان الذي ينزل فيه رسول الله ومن معه بالحديبية، عسى أن ينالوا منه ومن المسلمين شيئا، فسيقوا أسارى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم عليه السلام: ّهل جئتم في عهد أحد؟ أو هل جعل لكم أحد أمانا؟ فقالوا: لا " فعفا عنهم وخلى سبيلهم، كما رواه النسائي في سننه.
وانتقل كتاب الله إلى وصف هذه الواقعة المؤثرة، والدور الذي لعبته قريش فيها، وإلى ذكر ما أنزله الله من السكينة على رسوله والمؤمنين، حتى أخذت الأحداث مجرى آخر لصالح الإسلام والمسلمين، فقال تعالى:{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}، وقال