بشأن هذه الطائفة من الأعراب أنهم داخلون في عداد المنافقين، بينما فهمها ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة على أن القصد منها هو أن أولئك الأعراب لم يكونوا منافقين، وإنما لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، وادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدّبوا على ذلك حتى لا يمنوا على الله ورسوله بشيء، ولو كانوا منافقين بالمرة لعنفوا وفضحوا كما عنف غيرهم في سورة أخرى، وهذا الفهم هو الذي اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره وارتضاه ابن كثير، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}، فقيل لهم تأديبا:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}، أي: لم تؤمنوا الإيمان الكامل، {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}، أي استسلمنا وسالمنا، فالإسلام هنا لا يزيد على الاعتراف باللسان، والانقياد والجوارح، وعصمة الدم والمال، {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، أي ولم يتمكن الإيمان الكامل من قلوبكم بعد، {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}، أي أن الله تعالى -رغما عن أن إيمانكم لم يصل بعد إلى درجة الكمال- لا ينقصكم من أجوركم شيئا إذا التزمتم الطاعة لله ورسوله، فلن تضيع أعمالكم كما تضيع أعمال الكفار، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}" غفور " لمن تاب، " رحيم " لمن أناب.
ثم وصفت الآيات الكريمة خصال المؤمنين الكاملين الذين يضرب بهم المثل في الإيمان، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}، أي: المؤمنون الكاملون إيمانا، {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}، أي ثبتوا بعد إيمانهم على وثيرة واحدة من