التصديق القلبي الخالص، دون تردد ولا تزعزع ولا اضطراب، فقد يؤمن الشخص العادي ثم تعرض له عوارض وطوارئ تزعزع إيمانه، وتهز كيانه، أما المؤمن الحق فلا يزعزع إيمانه أي شيء، لا في الشدة ولا في الرخاء، لا في السراء ولا في الضراء، وهذه الآية:{الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}، واردة على غرار قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}(فصلت: ٣٠)، فالسر كله في " الاستقامة " إذ عن طريقها ومن خلالها يبرز ما ينطوي عليه القلب من عقيدة صالحة وإيمان صحيح.
وقوله تعالى:{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، هذه صفة أخرى مميزة لكاملي الإيمان، فهم يؤمنون بأن كل ما يملكونه من نفس ونفيس إنما هو عطية من الله وهبة منه، ولذلك فهم لا يبخلون ببذل هباته وعطاياه، بما فيها المهج والأرواح، ما دامت في سبيله وابتغاء مرضاته.
وعقب كتاب الله على هذه الصفات المثالية لأهل الكمال من المؤمنين، بما يفيد أن المتصفين بها قولا وعملا، والعاملين بمقتضاها سرا وعلنا، هم " الصادقون " في إيمانهم، إذ تشهد بذلك تصرفاتهم وتضحياتهم، كما يشهد به وفاؤهم وثباتهم، فقال تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، بخلاف أولئك الأعراب الذين يمنون على رسول الله بإعلان إسلامهم، وكونهم لا يقاتلونه مثل بقية العرب، فهؤلاء لا زالوا في المرحلة الأولى من مراحل الإيمان، وهم يتدرجون في طريقهم إلى بقية المراحل، بقدر ما