واستعرض كتاب الله حالة الإنسان المتمرد على طاعة الله، كيف يكون أثناء حياته، وعند موته، وحين بعثه، ووقت حسابه:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، أي: أقرب إليه من العرق الذي يجري فيه دمه، وتتم بواسطته دورته الدموية، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}، {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}، {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}، {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}.
وأجمل كتاب الله في إحدى آيات هذا الربع ما يكون عليه المكذبون بالحق في كل عصر وجيل، أفرادا وأمما، من اضطراب في الفكر، وتناقض في الرأي، وقلق في النفس، وحيرة في الاتجاه، بسبب أنهم لم يعتصموا بالحق، فتقاذفتهم الأهواء المختلفة من كل جانب، وتجاذبتهم التيارات المتعارضة من كل فج، وذلك قوله تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}، قال ابن كثير:" والمريج المختلف المضطرب الملتبس، كقوله تعالى في سورة " الذاريات " التالية: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}. وهذا حال كل من خرج عن جادة الحق، وارتمى في أحضان الباطل، مهما قال أو فعل بعد ذلك فهو باطل، لأنه دخل في تيه الحيرة والغواية، الذي لا تعرف له بداية ولا نهاية.