ومعنى قول أهل الجنة:{إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي كنا في حد ذاتنا، وفيما بين أهلنا ووسط عشيرتنا، ملتزمين لتقوى الله، متجنبين لمعصية الله، خائفين من حساب الله، ولم نكن طاغين ولا متمردين ولا غافلين، ومعنى قول أهل الجنة:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}، أن الله تعالى تفضل علينا بما آتانا من النعيم المقيم، وبما نجانا منه من العذاب الأليم. واعترافهم في هذا المقام " بمنة الله عليهم " دون " الامتنان عليه " بعملهم، أو باستحقاقهم للجزاء عليه، يدل على مبلغ ما هم عليه من أدب مع الله، فهم يعتبرون الأعمال الصالحة التي عملوها في " دار الفناء " مجرد توفيق من الله، ويعدون الجزاء الحسن عليها في " دار الجزاء " مجرد منة من الله، وذلك منتهى الكمال في الأدب، في الدنيا والآخرة.
ومعنى قول أهل الجنة:{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}، أنهم كانوا على الدوام يطرقون باب الله، دون أن يملوا من الدعاء والتضرع والابتهال، إذ كانوا واثقين بأن " الدعاء هو مخ العبادة " كما جاء في الحديث الشريف، بحيث يلتجئون إليه سبحانه في السراء والضراء، والشدة والرخاء، إيمانا منهم بأنه لا ضار ولا نافع سواه، وتجاوبا منهم مع التوجيه الإلهي القاطع:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}(النمل: ٦٢)، وهم عندما كانوا يتوجهون بدعائهم، ويتجهون فيه إلى الله وحده، لم يكن يداخلهم أدنى شك في بر الله لهم، ورحمته إياهم، إذ هو سبحانه " البر الرحيم " بأوسع معاني البر، وأعم وجوه الرحمة.