وانتقل كتاب الله إلى تثبيت قلب الرسول عليه السلام، وحمله على الصبر إلى النهاية، في سبيل تبليغ الرسالة، دون أن يتأثر بما يوجهه إليه أعداد الله من قذف بالكهانة حينا، وبالجنون حينا، فقد حماه الله منهما، وأنعم عليه بأكبر النعم، إذ اختاره سبحانه وتعالى لأمر عظيم، وذلك قوله تعالى:{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ}.
ثم استنكر كتاب الله ما يلفقه المشركون أحيانا أخرى من وصف الرسول عليه السلام بأنه مجرد " شاعر "، على نمط ما اعتادوه من الشعراء المغرفين في الخيالات والنزوات والأحلام، وإن كانوا يعرفون حق المعرفة أن كلام الله الذي يتلى عليهم ليس من الشعر ولا من النثر في شيء، وذلك قوله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}، أي: يزعمون أنه مجرد شاعر، ويرون أنه لا بأس -إذا اقتضى الحال- بغض الطرف عنه، في انتظار أن يدركه الموت، فيستريحوا منه ومن شعره، كما كان أمرهم مع الشعراء الأولين، ثم يرد عليهم كتاب الله قائلا:{قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}، أي: قل لهم يا محمد: انتظروا فإني منتظر معكم. وكأنه يقول لهم: إن الأمر هنا على خلاف ما تظنون، فهو يتعلق برسالة خالدة إلى يوم الدين، يموتون هم جميعا ولا تموت هي أبدا، وإن الأمر يتعلق بكتاب إلهي خالد، قد تكفل الحق سبحانه وتعالى بحفظه في الصدور، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وليس الأمر متعلقا -كما يدعون- " بشعر جاهلي " يعيش في ظل الجاهلية، ثم يموت وينتهي مفعوله