وقوله تعالى هنا:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}، يستفاد منه معنيان: المعنى الأول أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام ليلة الإسراء كانت رؤية حقيقية ليس فيها أدنى غلط في المشاهدة، مما قد يعتوِر أعين الناس العاديين حيث يقع لهم أحيانا غلط في الرؤية، وخلط في النظر بالبصر، والمعنى الثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجاوز في هذا المقام العظيم ما أمر به، ولم يتطلع لكشف ما لم يؤذن له فيه، ولم يسأل أكثر مما أعطي، فلا زهو ولا إلحاح ولا تطاول. بل كان عليه السلام في منتهى الطاعة ومنتهى الثبات ومنتهى الأدب. قال ابن كثير:" وما أحسن ما قال الناظم:
"رأى جنة المأوى وما فوقها ولو ... رأى غيره ما قد رآه لتاها".
وقوله تعالى هنا:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، تنويه بما أطلع الله عليه خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، من آثار قدرته الباهرة، ودلائل سطوته القاهرة، في العالم العلوي الفسيح، وذلك علاوة على ما أوحاه إليه في كتابه المبين، من الدلائل القاطعة، والحجج الساطعة. وحكمته سبحانه في ذلك كله أن يزود رسوله بأكبر زاد من المعرفة واليقين، وأن يعده لحمل رسالته على أكمل وجه إلى العالمين.
وانتهى هذا الربع بتسفيه معتقدات المشركين ومقدساتهم من الأصنام والأوثان:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}، وبين كتاب الله أنهم لا يعتمدون في معتقداتهم الباطلة إلا على مجرد الظنون والأهواء والأماني، وكل