يفاجئه يأس نوح من قومه، ولا طلبه النصر عليهم من الله، فقد كان دعاء نوح مجرد سبب، لأن ينال قوم نوح من العذاب الأليم ما هم أهل له، وما أسرع ما وقع انتصار الله لدينه ولنبيه، بتسليط طوفان عارم على قوم نوح، اشتركت فيه السماء والأرض على السواء، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}. ونجى الله نوحا من عذاب الطوفان على ظهر سفينة كانت تكلؤها عناية الله، وتحميها من كل خطر، كما قال تعالى:{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}، و " الدسر " مسامير السفينة أو أضلاعها. ثم قال تعالى:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}، أي تجري بأمرنا وتحت حفظنا. وقوله تعالى:{جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}، إما أن يكون المراد به رعاية الله لنوح، وحمله ومن آمن معه في " سفينة النجاة " إكراما له من الله، وإنقاذا له من كفران قومه به وبرسالته، وإما أن يكون المراد به عذاب الطوفان الذي سلطه الله على قوم نوح، جزاء لهم على كفرهم وعنادهم، وسوء معاملتهم لنوح عليه السلام.
وأشار كتاب الله إلى أن الحكمة في عرض مثل هذه القصة على المشركين والكافرين هي تذكيرهم بما وقع للأقوام والأمم من قبلهم، حتى يعودوا إلى رشدهم، ويتجنبوا الوقوع تحت ضربات السوط الإلهي الذي يمهل ولا يهمل، وتعريفهم بأن عاقبة الصلاح واحدة، وعاقبة الفساد واحدة، إذ " ما جرى على المثل يجري على المماثل ". وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا