الميثاق الذي واثقوا الله به وعاهدوه عليه، منبها للمؤمنين من هذه الأمة المحمدية إلى أن لا يسلكوا مسلك أهل الكتاب قبلهم، فيتخذوا القرآن " مهجورا " لأن ذلك سيؤدي بهم إلى أسوأ العواقب دينا ودنيا، وذلك قوله تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، وقد بين كتاب الله في غير ما آية، ماذا صدر من أهل الكتاب، وما عوقبوا به من العقاب، ومن ذلك قوله تعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}(المائدة: ١٣).
ثم نبه كتاب الله إلى أنه إذا وقع المؤمنون في غفلة عن كتاب الله المنزل لهدايتهم، وطال عليهم الأمد وقست قلوبهم، كما طال الأمد على أهل الكتاب قبلهم وقست قلوبهم، فإن باب التوبة يظل مفتوحا في وجوه المؤمنين، وفي إمكانهم أن يعودوا إلى الله، ويرجعوا إليه تائبين خاشعين، وبذلك تلين قلوبهم لذكر الله، ويعتصمون من جديد بحبل الله، وتشرق عليهم شمس الإيمان بضيائها وحرارتها وجاذبيتها، ويعود كتاب الله بين أظهرهم حيا مذكورا، بعد أن تركوه في فترة الغفلة مهجورا، وإلى هذا المعنى يلوح قوله تعالى في نفس السياق:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، وإذا كانت الأرض تحيا بفضل الله بعد موتها، فتزخر بالخيرات والثمار، وتصبح مضرب المثل في الخصب والنماء والازدهار،