فإن القلوب القاسية لا تقل عن الأرض الميتة استعدادا للخير والصلاح، وفي إمكانها أن تلين أيضا بذكر الله بعد قسوتها، وأن تحيا بهدايته بعد موتها، وأن ينجلي بنوره الصدأ عن مرآتها، وأن يعود إليها الإشراق والتألق الذي تمتاز به قلوب المؤمنين حقا، المعتصمين بكتاب الله، والملتزمين لرضاه.
وانتقل كتاب الله مرة أخرى إلى الحض على الإنفاق في سبيل الله، والتنويه ببذل المال ابتغاء مرضاته، وهذا أصل أساسي من أصول الإسلام، لا تقوم بدونه أسرة ولا أمة ولا دولة، والتنويه به يتكرر في غير ما آية وفي غير ما مناسبة، إذ المال قوام الأعمال، ولولا أن المسلمين الأولين من سلفنا الصالح رضي الله عنهم استجابوا لله ورسوله، ولم يبخلوا بأموالهم ولا بأنفسهم في سبيل الملة والأمة، لما ارتفع للإسلام لواء، ولما ملأت دعوته الخافقين، وبلغت رسالته المشرقين والمغربين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، وهو تأكيد قوي لما سبق في الربع الماضي، عند قوله تعالى:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}، وعند قوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، فقد تعهد الحق سبحانه لمن أنفق في سبيله بالأجر على ما أنفق، والخلف عما أنفق، ووصف سبحانه في الربع الماضي نوع الأجر أولا بأنه " أجر كبير " ووصفه ثانيا بأنه " أجر كريم " وكرر وصفه في هذا الربع أيضا بأنه " أجر