للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مكرر "، وإذا أدرك الإنسان رغباته اليوم فسيفتقر إلى نفس الرغبات التي تتجدد له غدا، بحيث يظل طيلة حياته أسيرا لشهواته ورغباته، في دوامة لا تفتر ولا تنقطع، حتى إذا أقبل عليه نذير النقلة إلى الدار الآخرة وجد نفسه فارغ الوفاض، بادي الإنفاض، ولم يتزود بأي زاد، وأصبحت حياته التي قضاها في الدنيا - بالنسبة إلى حياته المقبلة- عبارة عن فراغ شامل، وإفلاس كامل، إذ لم يدخر من الدار الفانية للدار الباقية، لا قليلا ولا كثيرا. وهذا ما يحرص كتاب الله على لفت الأنظار إليه، حتى تكون حياة الناس متوازنة ومتكاملة، فيها للدنيا نصيب، وفيها للآخرة نصيب. فقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا}.

فقوله تعالى هنا: {كَمَثَلِ غَيْثٍ}، أي: كمثل مطر نزل من السماء بعد اليأس والقنوط الناشئ عن الجدْب والجفاف. وقوله تعالى: {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}، أي: أعجب الزراع ما أنبته الغيث، و " الكافر " هنا بمعناه اللغوي هو الزارع، وفي اختيار هذا التعبير هنا تلميح إلى شدة اهتمام الكفار وإعجابهم بالحياة الدنيا، فهم أكثر الناس حرصا عليها، وميلا إليها، وقوله سبحانه: {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا}، أي: بعد ما كان النبات خضرا نضرا يصبح مصفر اللون وقت الحصاد. وقوله تعالى: {ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا}، أي: يصير يابسا متحطما، وكذلك شأن الحياة على سطح الأرض في أطوارها المختلفة، وشأن الإنسان نفسه فوقها،

<<  <  ج: ص:  >  >>