حد قول عمر بن الخطاب، جاء كتاب الله بنمط جديد يتفق مع روح الإسلام وأهدافه الإنسانية السامية، فخاطب المؤمنين الذين يرغبون في مناجاة الرسول والتحدث إليه في شؤونهم الخاصة أن يتقربوا إلى الله قبل لقاء الرسول، بتقديم الصدقات إلى الفقراء المسلمين، ثم يأتوا إليه وقد ازدادوا طهرا وصفاء، أما الذين لا يملكون ما يتصدقون به على الفقراء، لكونهم من نفس الفقراء، فلا حرج عليهم في لقائه ومناجاته دون تقديم أية صدقة، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ}، أي: أردتم ذلك، {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ثم وسع الله عليهم ولم يضيق، فقال تعالى:{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
ولعل من بين أسرار هذا التوجيه الإلهي الحكيم ما كان عليه المسلمون من التزاحم على لقاء رسول الله، ورغبة كل فرد في الاختلاء به والاستئثار بوقته واهتمامه، لقضاء الحاجات، وتلقي التوجيهات، الأمر الذي لو لم يوضع له حد لأصبح من الصعب عليه القيام بالمهام الكبرى التي تستلزم تكريس وقته لأدائها أولا بأول، وذلك لخير الجماعة الإسلامية جمعاء، فلما تلقى المسلمون هذا التوجيه الإلهي كان لهم بمنزلة " الفطام ". وكان فيه نوع من التخفيف على رسول الله، حتى يستطيع التفرغ للقيام بمهام الرسالة الجسام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.