فيه تصوير كاشف لحالة خصوم الإسلام الذين يتساهل المسلمون فيجعلونهم بطانة لهم، وهذا التصوير يثبت أن غيظهم على المسلمين قد جاوز كل الحدود، إذ إن الإنسان العادي لا يعض أصابعه من الغيظ إلا إذا بلغ به الغيظ نهايته، وفقد وعيه بالمرة.
وقوله تعالى:{قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} خطاب من الله لخصوم الإسلام المندسين بين المسلمين وفيه إيماء إلى ما يجب على المسلمين من اتخاذ الحيطة والحذر إزاء هذا النوع من الخصوم الماكرين، ولا شك أن أحسن حيطة يتخذها المسلمون إزاءهم هي الابتعاد عنهم ما أمكن، مادامت القلوب غير متصافية، والنفوس متجافية، كما بين الله ورسوله.
وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} تأكيد للمعاني السابقة وتثبيت لها في أذهان الغافلين من المؤمنين وتذكير لهم بإحدى البديهيات العقلية والدينية، ألا وهي أن الله جل جلاله هو العليم بذات الصدور، المطلع على دفائنها، وإذن فوصفه لخصوم الإسلام وأعدائه هو الوصف الوحيد المطابق للواقع، وهو الحقيقة الناطقة التي ليس لها من دافع، ولذلك يجب على المسلمين امتثال أوامر الله فيمن يصادقونه ومن يعادونه {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}.
ثم تنتقل الآيات الكريمة في هذا الربع وما بعده إلى موضوع جديد هو الحديث عن يوم أحد، ومقارنته بغزوة بدر {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} - {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}.