وفي هذه الآيات وصف كاشف لحالة المسلمين عندما ذاقوا في أحد مرارة الهزيمة بعدما ذاقوا في بدر حلاوة النصر، وفيها كذلك تحليل عميق لأسباب الهزيمة والنصر في كلتا الحالتين.
والإشارة في هذا الربع بالخصوص إلى المدد الإلهي الذي أمد الله به المسلمين في بدر، إذ كانوا قلة في العدد والعدد، فتدخل جند الله من الملائكة المسومين، إلى جانب جند الله من الأنصار والمهاجرين، فحلت البشرى، واطمأنت القلوب، ونزل النصر من عند الله، فسقط في المعركة فريق من كفار قريش، ورجع بالخيبة منهم فريق آخر، وتاب منهم فريق ثالث، وذلك قوله تعالى:{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} - أي معلمين بسيما القتال وعلامات المعركة- {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.
وقوله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} يقابله قوله تعالى في مكان آخر من هذه السورة، سورة آل عمران:{قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} وقوله تعالى في سورة الرعد: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} وهو جملة معترضة بين الجمل المعطوفة تؤكد أن الرسول عليه السلام إنما هو ممتثل لأمر الله، منفذ لحكمه في كل حال، وأن معركة الإسلام ليست معركة محمد بين عبد الله ولا معركة أصحابه، وإنما هي معركة الله الحاسمة، وفي سبيله، ومن أجله قائمة.