الحقوق، بل يطالبه بها إن قصر فيها أو أهملها بالمرة، فإنه لا يسمح للمسلم أن يسلك مسلك " الإفراط " في العناية بحقوقه الشخصية والعائلية، ويسلك مسلك " التفريط " فيما لله عليه من حقوق، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، فمصب النهي في هذه الآية وما شابهها ليس مجرد العناية بالأموال والأولاد، وإنما مصب النهي بنص الآية هو الانهماك في الاشتغال بشؤون الأموال والأولاد، إلى حد أن ينسى معه المسلم القيام بواجباته نحو الله، بحيث يستغرق استغراقا تاما في حظوظ نفسه وحظوظ عائلته، وفي ترضية شهواته المختلفة دون انقطاع، ويلهيه ماله وولده عن الله.
وانتقل كتاب الله إلى حضّ المسلمين مرة أخرى على إنفاق أموالهم في سبيل الله، فقد كانت فريضة الجهاد التي فرضها الله عليهم - وهم بالمدينة- دفاعا عن حوزة الإسلام ودولته الأولى، فريضة كبرى تحتاج إلى مدد لا ينقطع، وتضحية مستمرة بالأموال والأنفس.
وبين كتاب الله أن " خير البر عاجله " وأن الصدقة قبل " حلول الأجل " أضمن منها عند حلوله وأكثر ثوابا، إذ عند " حلول الأجل " لا يبقى أي مجال للانتظار ولا لتدارك ما فات، وذلك قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ *