على كفرهم إصرارا، رغما عن كل ما بذله نوح عليه السلام من محاولات طويلة ومضنية لإصلاح حالهم، وما عرض عليهم من وعد الله حينا ووعيده حينا، ورغما عما لفت أنظارهم إليه من دلائل القدرة الإلهية، وآثار الحكمة الربانية، في آفاق الكون الظاهرة، وآفاق النفس الباطنة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى حكاية على لسان نوح عليه السلام:{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا}.
ومما يجب التنبيه إليه في هذا المقام أن " أسلوب الدعوة " الذي حكاه كتاب الله عن نوح عليه السلام لا يختلف في شيء عن أسلوب الدعوة الذي استعمله خاتم النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما أن الحجج والبراهين الكونية والنفسية التي كان نوح يقارع بها قومه هي نفس الحجج والبراهين التي واجه بها رسول الله مشركي قريش ومن لف لفهم،