وسلك طريقهم، مما يوضح لكل ذي عينين أن طبيعة الرسالة الإلهية واحدة، وأن مصدر الوحي الإلهي واحد، وأن الشبه التي تعرض لقصار النظر، والضلالات التي يقعون فيها، على تباعد ما بين العصور والأجيال، هي شبه وضلالات متقاربة، إن لم تكن متماثلة في أغلب الأحيان، وكما أن الداء البشري واحد، فالدواء الإلهي واحد.
وبعدما قام نوح عليه السلام بتبليغ الرسالة عن ربه، واستعمل مع قومه جميع وسائل الترغيب والترهيب، وقضى أكبر قسم من حياته الطويلة في أداء الواجب دون الوصول معهم إلى جدوى أخذ يستعيذ بالله من كفرهم وعصيانهم، ويبرأ إليه من مكرهم وعدوانهم، وذلك ما يحكيه عنه قوله تعالى:{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}، أي: مكرا كبيرا وعظيما.
ووصف كتاب الله الدعوة الضالة المضلة التي كان يقوم بها قوم نوح لإفساد الناس، وتحريضهم على الاستمساك بالشرك والوثنية، والتزام عبادة الأصنام، كما وصف كتاب الله أثر دعوتهم الضالة في النفوس، واستيلاءها على الأفكار، فقال تعالى حكاية عنهم:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا}.
وهذه الأصنام وغيرها قد استمرت تقاليد عبادتها إلى حين ظهور الإسلام، إذ انتقلت عدواها من قوم نوح إلى العرب، فكان لقبيلة كلب صنم يدعى " ودا "، وكان لقبيلة هذيل صنم يدعى