المهتدين، وأن يختار الضلال فيكون من الضالين، اللهم إلا إبليس اللعين الذي طرده الله من رحمته، فأقسم على أن يغوي الناس أجمعين، وإلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى هنا في سورة " الجن ": {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ}، {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ}.
- الحقيقة الثانية: أن عالم الجن لا سلطة له على عالم الإنس، وأن مخاوف الناس من الجن ترجع إلى أسباب وهمية أكثر مما ترجع إلى حقيقة واقعية، وهذا رد على مشركي قريش ومن لف لفهم من العرب وغير العرب، الذين كانوا يعتقدون أن للجن سلطانا على الأرض، وأن لهم قدرة على النفع والضر، حتى كان الواحد منهم إذا نزل بواد أو قفر استعاذ " بعظيم الجن " الذي يعتقد أنه حاكم في تلك الأرض قائلا: " أعود بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه "، بينما الجن لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم، بل يزيدون في إرهاقهم ما داموا يعوذون بهم ولا يستعيذون بالله، وإلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى هنا في سورة " الجن ": {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}.
- الحقيقة الثالثة: أن عالم الجن لا يعرف من " علم الغيب " شيئا، وأن علم الغيب مقصور على الله تعالى وحده، وهذا إبطال لما كان شائعا في الجاهلية، ولا يزال شائعا حتى اليوم في أوساط الجهّال، من أن الجن تطّلع على الغيب وتخبر به الكهان والعرافين، فذلك إنما هو محض ادعاء وافتراء على الله، ولا سيما