البعث قد حلت، فيتساءل إلى أين الفرار؟ ويجد نفسه وقد سقط في شرك الأقدار، أحقر وأعجز من فار:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}.
ويرد كتاب الله على سؤال الفاجر المستهتر، المكذب بالبعث والنشور، {كَلَّا لَا وَزَرَ}، أي: ها أنت قد وقعت في قبضة الله، وليس لك أي مكان تعتصم فيه من عذاب الله، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}، أي: إليه المرجع والمصير، {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}، أي: يخبر الإنسان بجميع أعماله، أولها وآخرها، قديمها وحديثها، صغيرها وكبيرها، ما قدمه قبل وفاته من الأعمال، وما يترتب على تلك الأعمال بعد وفاته من الآثار، هل سن سنة حسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها؟ أو سن سنة سيئة فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها؟ وها هنا ينكشف الستار، وتسقط الأعذار، فها هو الإنسان قد اطلع على كتابه، وها هو قد تلقى سجل حسابه، وكفى بنفسه عليه حسيبا، وشاهدا ورقيبا:{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.
واتجه الخطاب الإلهي بعد ذلك إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، ملقنا إياه الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها عند تلقي الوحي من عند الله، والمراحل التي تتبع ذلك، فقال تعالى في خطابه لنبيه:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، فالحالة الأولى بعد تلقيه