القرآن من الملك جمعه في صدره {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ}، والحالة الثانية تلاوته:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، والحالة الثالثة تفسيره وإيضاح معناه:{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.
وقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} معناه إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى فاستمع له، ثم اقرأه كما أقرأك.
وقوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، أي: بعد حفظه وتلاوته نبينه لك، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا، كما فسره ابن كثير، وإلى هذا الموضوع نفسه يشير قوله تعالى في آية أخرى:{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه: ١١١)، قال المفسر الشهيد:" إن الإيحاء الذي تتركه في النفس هذه الآيات هو تكفل الله المطلق بشأن هذا القرآن، وحيا وحفظا وجمعا وبيانا، وإسناده إليه سبحانه بكليته، ليس للرسول صلى الله عليه وسلم من أمره إلا حمله وتبليغه، ثم لهفة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة حرصه، على استيعاب ما يوحى إليه، وخشيته أن ينسى منه عبارة أو كلمة، مما كان يدعوه إلى متابعة جبريل عليه السلام في التلاوة آية آية، وكلمة كلمة، يستوثق أن شيئا منها لم يفته، ويتثبت من حفظها فيما بعد ".
ثم عاد كتاب الله إلى مخاطبة الغافلين المغرورين الذين يستغرقون كل حياتهم في الشهوات والملذات دون أن يحسبوا لما بعدها أي حساب، فقال تعالى:{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ}، وكأن في هذا الخطاب تلويحا إلى ما في طبع الإنسان