ثم يوجه الله تعالى خطابه إلى الإنسان الغافل المتثاقل الخطى، مذكرا له بأن رحلته على ظهر الأرض مهما طالت فهي رحلة قصيرة، وبأن حياته فيها مهما امتدت فهي حياة عابرة، علاوة على ما في الحياة بطبيعتها من متاعب ومشاق، وشدائد وأهوال، وكد وجهد، فإن لم يدخر الإنسان من يومه لغده، ومن حياته الأولى لما بعدها، كانت صفقته صفقة خاسرة، وكان من الأخسرين أعمالا، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}(الكهف: ١٠٤)، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}، وكأن الله تعالى يقول لعبده "الخاوي" الوفاض، البادي "الإنفاض" بماذا ستلاقي ربك؟ هل ستلاقيه باليد الفارغة والكتاب الأسود؟ إن الأمر ليس أمر هزل، ولكنه أمر جد، فماذا أنت فاعل أيها الإنسان الوسنان؟.
ثم يعقب كتاب الله على هذا النداء المباشر بذكر أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وما يناله كلا الفريقين، عسى أن تتحرك همم الكسالى المتخاذلين:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}، أي: أنه كان يعتقد أنه لن يرجع إلى الله، ولن يبعث بعد الموت، و"الحور" هو الرجوع، {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}.