غنى إلى فقر، ومن سقم إلى صحة، ومن صحة إلى سقم، كما يتضمن قوله تعالى:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}، معنى ثانيا: وهو ما سيلقاه الإنسان بعد موته وحين بعثه من الشدائد والأهوال، أثناء الحشر والحساب والجزاء في عرصات القيامة نفسها. فمعاناة الإنسان لهذه الأطوار والأحوال كلها في حياته الأولى وحياته الثانية هي التي عبر عنها الذكر الحكيم هنا " بالركوب ": {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}، جريا على المعهود في اللسان العربي من التعبير " بركوب الأخطار "، إشارة إلى معاناتها وتحملها، والتقلب فيها عند الاضطرار، على حد قول الشاعر العربي:
إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا ... فما حيلة المضطر إلا ركوبها
ومن هنا انتقل كتاب الله إلى التساؤل، باستغراب وتعجب، لماذا يصر الكافرون على عنادهم، ويتمسك الجاحدون بجحودهم، ضاربين صفحا عن الاستجابة لما يحييهم، وكتاب الله يتلى أمامهم، ويقرع أسماعهم، فقال تعالى:{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}، أي: أن كل ما تعرضه الدعوة الإسلامية على خصومها والمكذبين بها من آيات كونية وآيات قرآنية، إنما يدفع إلى الإيمان لا إلى الكفر، وإنما يعين على إيقاظ الضمير وإثارة الشعور، لا على الغفلة والغرور، ومن هنا جاء التساؤل والاستغراب في هذا الباب.
ثم عقب كتاب الله بما يؤكد أنه عليم بذات الصدور، مطلع على ما يضمره الكافرون من إصرار على التكذيب وإمعان في الغرور، داعيا نبيه إلى إنذارهم بالعذاب الأليم، وتبشير المؤمنين