الحقيقة والتعمق فيها هو الهدف الرئيسي للقسم من أصله، بما يحتوي عليه من صيغة القسم والمقسم به والمقسم عليه.
والمُقسَم به هنا في فاتحة هذه السورة " هذا البلد "، أي: مكة " أم القرى " حيث يوجد بيت الله الحرام، أول بيت وضع لعبادة الله وتوحيده في الأرض، وحيث يلتقي جميع الناس في أمن وسلام، ودماء بعضهم على بعض حرام.
ويدرج كتاب الله في سياق هذا القسم بالذات إقامة رسوله عليه السلام بنفس البلد، واستقراره به، إشارة إلى تكريم الله تكريما جديدا لمكة، بجعلها في نهاية المطاف مهد الرسالة، ومنزل الوحي، والمقر الأول لسكنى خاتم الأنبياء والمرسلين، وكأن الأقدار الإلهية تلوح هنا بأن " آية الإيمان " هي التي ستستقر بمكة إلى الأبد، وأنها ستمحو ظلمة الشرك من شعابها وبطاحها، فتعود مياه التوحيد إلى مجاريها، على ملة إبراهيم الخليل، وابنه إسماعيل، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}.
وقوله تعالى:{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ}، يمكن أن يكون إشارة إلى نعمة التوالد والتناسل، التي أنعم الله بها على كثير من خلقه، كما يمكن أن يكون إشارة خاصة إلى إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل، فالوالد هو إبراهيم، والولد هو إسماعيل، ولا يخفى ما في هذه الإشارة من التناسب والانسجام، مع نفس السياق في هذا المقام، فقد كان إبراهيم الخليل هو باني البيت الحرام، بمساعده