وأما الحقيقة المقسم عليها فهي أن الإنسان منذ أن يستقر جنينا في بطن أمه وطيلة حياته إلى حين وفاته، لا ينفك عن مكابدة المتاعب، ومواجهة الشدائد، وتحمل المشاق، من طور إلى طور، ومن مرحلة إلى أخرى، ولا يهون من ضغط هذه الحقيقة التي تفرض نفسها على كل إنسان أن تختلف طرق الكفاح باختلاف الناس، فلكل صنف منهم متاعبه الخاصة، وكفاحه الدائم، الذي لا ينتهي إلا بانطفاء جذوة الحياة في الجسم وحلول الأجل، والهدف المتوخى من تذكير الإنسان بهذه الحقيقة التي تستغرق كل حياته هو تنبيهه إلى أنه إذا كان ولا بد سيكابد متاعب الحياة الدنيا، لينتقل منها إلى مكابدة متاعب أشد هولا منها في الحياة الثانية، فإنه سيكون أخسر الخاسرين، ولذلك ينبغي له أن يعمل عملا صالحا في دنياه، حتى يلقى الله وعنده من الحسنات، ما يضع حدا نهائيا لمتاعبه المعتادة في حياته الأولى، وبذلك يستأنف حياة ثانية كلها نعيم مقيم، ورضوان من ربه الكريم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}، وها هنا ينعى كتاب الله على البخلاء الإشحاح بخلهم وشحهم بالإنفاق في سبيل الله، إذ ينفقون أموالهم في غير وجهها المشروع، وكلما دعوا إلى الإنفاق في وجوه البر والإحسان تبجحوا بأنهم قد أنفقوا مالا كثيرا، {مَالًا لُبَدًا}، وإن كان ما أنفقوه إنما صرفوه في الشهوات والملذات، وفي المعاصي