وهذه السورة الكريمة يتصدرها قسم عظيم " بالتين والزيتون، وطور سينين، والبلد الأمين " والمحور الذي يدور عليه القسم فيها هو خلق الإنسان، وما يتعرض له في حياته من فوز أو خذلان، وربح أو خسران.
فالله تعالى يمتن هنا على الإنسان بأنه قد خلقه أحسن خلق، وأبدعه أكمل إبداع، وميزه بمزايا خصوصية على غيره من أنواع الحيوان، عسى أن يعرف فضل الله عليه، فيتحلى بحلية الإيمان، عن اقتناع وإذعان، ويقبل على طاعة الله بكل اغتباط وامتنان، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، ونقل ابن كثير عن بعض الأئمة أن المقسم به هنا هي محال ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولى العزم، أصحاب الشرائع الكبار، فالأول محل التين والزيتون وهو بيت المقدس، حيث بعث الله عيسى ابن مريم، والثاني طور سيناء، حيث كلم الله موسى بن عمران، والثالث مكة، وهي البلد الأمين، الذي من دخله كان آمنا، حيث بعث فيه محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ثم ينبه كتاب الله إلى أن الإنسان قد يسيء إلى نفسه بتصرفه تصرف السفهاء، فيما آتاه الله من طاقات، وملكات، وممتلكات، فيتخذها ذريعة للكفر والفساد، بدلا من اتخاذها عونا على الإيمان والصلاح، ويتردى من قمة المكارم والفضائل، إلى هوة الفساد والرذائل، وإذ ذاك ينزل بمحض اختياره من أعلى