رحمة الله، ولا أن يسيئوا الظن بالله، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، قال قتادة: (ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال: " لن يغلب عسر يسرين "، ذلك أن لفظ " العسر " ورد معرفا في الحالين، فهو " واحد "، وأن لفظ " اليسر " ورد منكرا في كلا الموضعين، فهو " متعدد "، ف " العسر الأول " هو عين الثاني، و " اليسر الثاني " زائد على " اليسر الأول ".
واتجه الخطاب الإلهي مرة أخرى إلى الرسول عليه السلام، يأمره بمواصلة الكفاح والعمل في سبيل الدعوة دون انقطاع، بحيث أنه كلما فرغ من أمر تصدى لما بعده، {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}، إذ إن أعباء الرسالة متعددة، وتكاليف الدعوة متنوعة، ووجوه النشاط الإسلامي متسلسلة يسلم بعضها لبعض، وقد وفّى الرسول عليه السلام بما عاهد عليه الله، فلم يذق طيلة عهد الرسالة للراحة طعما، ولم ينتقل إلى الرفيق الأعلى حتى ترك من ورائه عقيدة راسخة، وشريعة قائمة، ودولة حاكمة.
ودعا الله نبيه في ختام هذه السورة إلى أن يجعل همه الأكيد في كل أعماله ومساعيه ابتغاء مرضاة الله، والتقرب إليه دون سواه، بكل تجرد وإخلاص، ودون أي اعتبار خاص، وذلك قوله تعالى في إيجاز وإعجاز، والخطاب له ولكل مؤمن من أمته:{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}.
ومن هنا ننتقل إلى سورة " التين " المكية أيضا، معتمدين على الله.