وقوله تعالى:{عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، امتنان من الله على الإنسان، أي: إنسان كان، بأنه سبحانه هو منبع العلم ومصدر المعرفة، فهو -أولا- الذي جهز الإنسان بجميع الحواس والملكات والطاقات القابلة للتعليم، والملائمة لإدراك المعلومات وتصور الحقائق، وهو - ثانيا- الذي يفتح لعباده بقدر ما يشاء من مغلقات الأسرار في الوجود، فتتفتح عيونهم وعقولهم كل يوم على حقائق جديدة، ومعلومات مفيدة، ولو لم يكشفها لهم بنوره لما اكتشفوها إلى الأبد، على حد قوله تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}(البقرة: ٢٥٥)، وقوله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه: ١١٤)، فمصدر التعليم الأول والأخير هو الله العليم الحكيم، الذي أحاط بكل شيء علما.
وانتقلت الآيات الكريمة إلى وصف ما يصيب الإنسان من انحراف في السلوك، وخبال في التصور، وما يضيفه إلى ذلك كله من تثبيط غيره عن العمل الصالح، فقال تعالى:{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}.
وعقَّب كتاب الله على ذلك بإنذار خطير وجهه إلى الإنسان الطاغي، الباغي على الخلق، المنحرف عن الحق، فقال تعالى:{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}، أي: لنجعلن في ناصيته سمة سوداء تفضحه يوم القيامة بين الناس، {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ}، أي: فليدع قومه وعشيرته لينصروه، إن كانوا