مضى كتاب الله في نفس السياق، وتولى في أول آية من هذا الربع الحديث عن أولئك المؤمنين الذين ينتظرهم إخوانهم الشهداء، عسى أن يلحقوا بهم من خلفهم، ويشاركوهم فيما آتاهم الله من نعمة، ومنحهم من فضل، جزاء إيمانهم بالله ورسوله، وجهادهم في سبيله، وتأسيهم بهم في بذل المهج رخيصة من أجله، وذلك قوله تعالى:{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}.
ثم تصدت الآيات الكريمة لوصف هذا الصف الخاص من المؤمنين الذين استبشر بهم من سبقوهم من الشهداء، وذلك ابتداء من قوله تعالى:{الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}. إلى قوله تعالى:{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}.
ولإدراك مغزى هذه الآيات وفهم معناها لابد من إلقاء بعض الأضواء على الحادثة التي ارتبطت بها.
ذلك أن مشركي قريش بعدما أصابوا ما أصابوا من المسلمين يوم أحد، وكروا راجعين إلى ديارهم، تحركت في نفوسهم الأحقاد، واشتغلت في قلوبهم نيران الحسرة والندم، وطغت عليهم روح الغرور والحمية، فأخذوا يرددون فيما بينهم مقالات خبيثة تكشف عن خطة جديدة ولئيمة، أخذت ترتسم في أذهانهم، بغية استئصال شأفة المسلمين، مثل قولهم:" لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئس ما صنعتم، ارجعوا " ومثل قولهم: " أصبنا محمدا وأصحابه ثم نرجع قبل أن نستأصلهم، لنكرن على بقيتهم