ثم لنفرغن منهم ". فبلغ ذلك إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب المسلمين إلى ملاحقة المشركين من ورائهم، غير أنه عليه الصلاة والسلام لم يأذن باللحاق به والسير في ركابه لهذا الغرض إلا لمن حضر موقعة أحد وثبت معه فيها، وعندما أذن مؤذن رسول الله في الناس كان يقول: " لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ".
ورغما عن الحالة الأليمة التي كان عليها أولئك المسلمون، إذ هم مثخنون بالجراح، ولا يزال شريط يوم أحد بأهواله يمر أمام أعينهم، فإنهم استجابوا لنداء رسول الله، لم يتخلف منهم أحد، طاعة لله، وفداء لرسوله، وكان الرسول يرمي من وراء ذلك إلى إفساد خطة المشركين الجديدة التي تناقلتها الأخبار، وإلى إلقاء الرعب في قلوبهم، بإبراز ما عليه المسلمون من جلد وقوة إيمان، وإظهار أن ما أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، ولم يفت في عضدهم، وقد كان أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والزبير في طليعة المسلمين الذين تعقبوا المشركين، فلما وصلوا إلى مكان يقال له " حمراء الأسد " على ثمانية أميال من المدينة رآهم المشركون فهالهم الأمر، وقذف الله الرعب في قلب زعيمهم وقائدهم أبي سفيان، فانقلب وانقلبوا معه إلى مكة قافلين، بينما رجع رسول الله ومن معه إلى المدينة سالمين.
وفي هذه المناسبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا، وقد قذف الله في قلبه الرعب ورجع ".
والآن، وبعد الإتيان بهذا البيان الموجز نستطيع أن نتفهم الآيات