الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول:" لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره لبعثة النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء؟ " وذلك ما يشير إليه قوله تعالى خطابا لنبيه وامتنانا عليه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}، أي: أبطل كيدهم، وخيب سعيهم، يقال:" ضلل كيده " إذا أبطله وجعله ضائعا، {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ}، أي: أسرابا متتابعة، {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}، أي: طين مطبوخ بالنار مختلط بحجر، {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}، أي: كالتبن الذي جز لعلف الدواب فأكلته وراثته، وهذا التعبير جاء على أسلوب " أدب القرآن "، على غرار قوله تعالى:{كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}، قال أبو حيان في تفسيره " البحر المحيط ": في خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَعَلَ رَبُّكَ}، تشريف له عليه السلام، وإشادة بذكره، كأنه قال:" ربك ومعبودك هو الذي فعل ذلك، لا أصنام قريش: إساف ونائلة وغيرهما ".
وقال القشيري في " لطائف الإشارات "، إشارة إلى دور عبد المطلب في هذه القصة، ودعائه على أبرهة الحبشي وجيشه دفاعا عن البيت:" إذا كان عبد المطلب عندما أخلص في التجائه إلى الله، لاستدفاع البلاء عن البيت، لم يخيب الله رجاءه، وسمع دعائه، فالمؤمن المخلص إذا دعا ربه لا يرده خائبا ".