فها هنا توجيه من الله للرسول والمؤمنين إلى الاعتصام بحبل الله، والالتجاء إليه، والاحتماء بما له من صفات الربوبية والملك والألوهية، تلك الصفات التي يتصرف بها سبحانه في الكون، ويهيمن بها على مقاليد السماوات والأرض، وإلى سؤاله سبحانه وتعالى أن يعصم المؤمنين من وساوس الشيطان، وأن يعينهم على التخلص من كيده وإغرائه وإغوائه، قال ابن عباس:" الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس. وإذا ذكر الله خنس "، و " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم "، كما ورد في الحديث الشريف.
وقوله تعالى:{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}، تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن، على غرار قوله تعالى في آية أخرى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}(الأنعام: ١١٢).
وهذه السورة الكريمة تبين لكل ذي عقل أن في إمكانه أن يسقط فريسة للشيطان وعملائه، وأن لا يكون مغلوبا على أمره إزاء وساوسه ومكايده، وذلك إذا التجأ إلى ربه وملكه وإلهه المسيطر على الخلق كله، ولم يقطع صلته به في أي وقت من الأوقات، فمن ذكر الله واعتصم بحبله كان في نجوة من كل شر،