سابق، ومن هنا كان وقعها مختلفا باختلاف من يسمعها، فالمؤمن الذي خالطت قلبه بشاشة الإيمان يدرك مغزاها، ويزداد بواسطتها بصيرة ونورا، والكافر الذي أطبقت عليه ظلمة الكفر يقابلها بالتجاهل والتساؤل، والتساؤل الذي لا يقصد من ورائه الرغبة في المعرفة، وإنما تساؤل المنكر الممعن في الإنكار والاستهزاء، {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}.
ورغما عن أن " البعوضة " في الظاهر عند الناس تعتبر كائنا حقيرا تافها قد يستغرب ضرب المثل بمثله، فإن الآية أشارت إلى أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا به، مادام الغرض من ضرب الأمثال هو مزيد الكشف والإيضاح للسامعين، ولذلك ضرب الله المثل بالنمل والعنكبوت في آيات أخرى.
على أن العصور التالية منذ نزول القرآن حتى الآن، قد أثبتت ما لهذا الكائن الحقير الصغير (البعوضة) من خطورة وقوة وتأثير في الفتك والتخريب والتدمير، فقد أثبتت الدراسات الطبية أن فعل هذا الكائن بالإنسان، يفوق فعل الطاعون والطوفان، ولذلك جندت الدول لحربه ومقاومته كل ما في الإمكان، واتضح الآن لذوي الفكر المستنير حكمة ذكره في القرآن.
ثم لابد أن نقف وقفة ولو قصيرة عند قوله:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}.
ذلك أن كثيرا من الناس عندما تسبق إلى نفوسهم فكرة من الأفكار يتعصبون لها، ويجمدون عليها، ويعتقدونها اعتقادا أعمى، فإذا