ألقي إليهم بفكرة جديدة قالوا (قلوبنا غلف). كما أن كثيرا من الناس عندما يتورطون في نوع مرذول من أنواع السلوك، ويألفون جوه العفن، يصبحون أكثر الناس حذرا ومخافة من كل فكرة صالحة تلقي الأضواء على ما هم عليه من انحراف وشذوذ، باعتبار أن الفكرة الجديدة قد تكشف معايبهم، وتفضح أسرارهم، وتخرجهم عن مألوفاتهم التي أصبحوا أسراء لها، وتجعلهم حقراء مرذولين أمام أنفسهم أولا، وأمام الناس أخيرا، وهكذا يكتفي الفاسقون بإقفال أسماعهم عن سماع أية فكرة صالحة، بل يتصدون لها بالمقاومة والمحاربة سرا وعلنا، وبذلك يزدادون فسقا على فسق، وانحرافا فوق انحراف، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة {ومَا يُضِلُّ بهِ إلا الفَاسِقينَ} فقد أثبتت لهم هذه الآية صفة الفسوق أولا وسابقا، وبتأثير هذه الصفة الملازمة لهم والمسيطرة عليهم زادوا عتوا وضلالا، إذ الجريمة تدفع إلى أختها، والسيئة تعين على مثلها، على حد قوله تعالى:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} وذلك بعكس (المتقين) الذين لازمتهم صفة التقوى، فانفعالهم من تلقاء أنفسهم يكون مزيدا من الهداية، ومزيدا من الرشد.
ومن هنا انتقلت الآيات الكريمة إلى تحليل أوصاف (الفاسقين) بعدما حللت آيات أخرى سابقة في مطلع هذه السورة أوصاف المتقين {فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}.
وتتلخص أوصاف (الفاسقين) كما حددتها الآيات في ثلاثة أشياء: (١) الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، (٢) ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، (٣) ويفسدون في الأرض.