أما نقض الفاسقين لعهد الله فيتجلى في جحودهم له بعدما اعترفوا بألوهيته وربوبيته وشهدوا بذلك على أنفسهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}.
ويتجلى نقضهم لعهد الله في عصيانهم لرسله بعدما التزموا بطاعتهم، وفي كفرهم بكتبه وهجرهم لها بعد ما تعهدوا بإتباعها {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. ومن كان له من الجرأة ما ينقض به عهد الله ويتحدى إرادته كان حريا بأن لا يكون له عهد، بل أن ينقض عهوده مع الناس جميعا.
وأما قطع الفاسقين لما أمر الله به أن يوصل فيتجلى في قطعهم صلة الأرحام المشتركة، وفي قطعهم صلة العقائد المشتركة، وفي قطعهم صلة الروابط المشتركة، فهم أنانيون مغرقون في الأنانية لا يعرفون الرحمة ولا الإحسان، ولا يهمهم من العيش إلا أنفسهم، وشعارهم المميز:" أنا وبعدي الطوفان " ومن بلغت به الأنانية إلى هذا الحد لا يرجى منه خير، ولا ينتظر منه نفع، لا للقريب ولا للبعيد.
وأما فساد الفاسقين وإفسادهم في الأرض، فيتجلى في سعيهم إلى تحطيم جميع المقدسات، وفي استهانتهم الظاهرة والباطنة بجميع القيم، وفي اعتدائهم المتوالي على حقوق الأفراد والجماعات، وفي إجبارهم للغير على الرضى بالفساد والعيش في ظله، ويتجلى بالأخص في محاربتهم لأوامر الله وانتهاكهم لحرماتهن والعمل بالخصوص على إقصاء تعاليمه وطردها من جميع مجالات العيش ومواكب الحياة.